حسين الشعور.. حيث تكون الروحُ مرتَعَ الأخلاق
بقلم :
- هلال
جزيلان
لم يكن الدفتر المليء بالمواعيد والمهام سجلاً للعمل، بل كان وثيقةً لعهدٍ
بينه وبين ضميره، إنه حسين الشعور.. ذلك الرجل الذي جعل من اسمه رسالة، ومن حياته وقفاً
على هموم زملائه.
في زمنٍ صار فيه الاهتمام بالذات مشروعاً عالمياً، وقف حسين كشجرةٍ باسقةٍ
لا تأتي ثمارها إلا للعطشان والظامئ، إنه ليس بطلاً خارقاً، بل إنسان بسيط، لكن نُبلَ
أخلاقه جعل من بساطته قوةً تذلّل الصعاب، ومن تواضعه سلطاناً يعلو على كل سلطان.
البذرة التي أنبتت شجرة العطاء
إذا أردت أن تفهم سر هذا العطاء، فانظر إلى جذوره، نشأ "حسين"
في أحضان بيئةٍ زرعَت فيه معنى "الآخر" قبل "الأنا"، كان يراقب
والده وهو يفرّق خبزَ العائلة على جيرانهم الفقراء، فيتعلم أن السعادة ليست في ما تملك،
بل في ما تمنح.
لم تكن تلك المبادئ مجرد شعارات تردد في المناسبات، بل كانت وقوداً لمسيرة
حياته، في صغره، كان يتنازل عن مصروفه لزميل لا يجد قلمًا يكتب به، في شبابه، كان وقته
ليس ملكاً له، بل هو ملكٌ لمن يحتاجه، لقد تشرب العطاء حتى صار عطاءً يمشي على قدمين.
في متاهة الهموم.. كان هو الدليل
في عالم العمل، حيث تسود المصلحة والمنافسة، كان "حسين الشعور"
ظاهرةً فريدة، لم يكن مكتبه مكاناً للعمل فقط، بل كان ملجأً للمحتَاجين، وملتقىً للحلول،
ومستشفىً ميدانياً لمعالجة المشكلات.
دراما الموظف الجديد: يتذكر الجميع ذلك الشاب الذي انضم للعمل حديثاً،
غارقاً في بحر من الارتباك والمسؤوليات، لم يتركه "حسين" يغرق، كان يرافقه
كظله، يشرح له الغامض، يفتح له المغلق، يهدئ من روعه. لم يكن يسأل: "ما هي مهامي؟"
بل كان يسأل: "من يحتاج مساعدتي اليوم؟"، كان يقول لهم: "لا تخافوا
من الخطأ، فأنتم تبْنُون، والبناء لا يخلو من شظايا، المهم أن نلملمها معاً ولا نجرح
أحداً بها."
خارج أسوار العمل.. القلب نفسه
لم تكن أخلاق "حسين" تُخلع عند باب المكتب مع معطف العمل لقد
كانت ساريته في كل مكان في الحي الذي يسكنه، فهو هو "أبو العيال" للجميع
يُصلح ما أعْوَزَ، يحلّ ما اختلف، يخفف ما ثَقُف.
إن كتابة مقال عن "حسين الشعور" هي محاولة لاحتواء بحر في كأس
ماء
كيف تُحصي قطرات المطر؟ كيف تُحصي ابتسامة أزهرها في وجه كاسف، أو همسة
أمل بثها في قلب يائس، أو مشكلة حلّها فتفتح بها طريقاً كان مسدوداً؟
حسين الشعور هو ذلك الإنسان الذي فهم أن الحياة ليست سنوات نعيشها، بل
بصمات نتركها. هو الرجل الذي جعل من أخلاقه شمساً تشرق على من حوله، فأنارت دروبهم،
ودفأت قلوبهم. إنه درسٌ متجدد في أن القيمة الحقيقية للإنسان ليست في ما يملك من مال
أو منصب، بل في ما يملك من قلب ينبض بالخير، ويد تمتد بالعطاء، وروح جعلت من خدمة الناس
رسالةً وشرفاً.
طوبى لأمثال حسين.. فهم مصابيح الدجى، وهم مصنع الأمل في زمن القسوة،
وهم الذين يذكروننا بأن الإنسان قد يكون أجمل مما نتصور.
ليست هناك تعليقات