مشهد تاريخي في صنعاء: المؤتمر العلمي الأول لطب الأسنان بجامعة 21 سبتمبر يطلق شارة انطلاق عصر جديد
كتب : هلال جزيلان
فجر أكاديمي جديد
في قاعات العاصمة صنعاء، حيث يصارع الظلام بأنوار العلم، انعقدت الأمسية التاريخية للمؤتمر العلمي الأول لكلية طب الأسنان والعاشر لجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية، ليس مجرد مؤتمر عابر، بل كصيرة علمية شامخة تعلن رفض الجمود، وتواصل مسيرة التحرر من خلال منابر العلم والمعرفة. تحت الشعار الواعد "New Era in Dentistry"، انطلقت الفعاليات في 18-19 أكتوبر 2025 بمشاركة محلية ودولية واسعة، حاملةً رسالةً مفادها أن اليمن، رغم التحديات، لا يزال قادراً على العطاء العلمي والإسهام في الحضارة الإنسانية.
انطلاق اللوحة الأكاديمية الأولى
بكل ابتهاج أكاديمي، افتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية من الأستاذ الدكتور مطيع أبو عريج، نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية ونائب رئيس المؤتمر، الذي شدد في كلمته على أهمية المؤتمر في إبراز أهم القضايا الصحية والطبية المرتبطة بالمجتمع ووضع الحلول لها، معتبراً أن هذا المحفل العلمي يترجم رسالة الجامعة في رفد المجتمع بخريجين وكوادر مؤهلة، مؤكداً الحرص على اعتماد البحث العلمي كمحور أساسي في التعليم والتعلم.
روبورتاج يكشف المستور
ثم بدأت العدسات ببث شريط الروبرتاج الذي جسد قصة كلية طب الأسنان منذ انطلاقتها بقوة، مسلطاً الضوء على التطور الملحوظ في العملية التعليمية والتخصصية، وصولاً إلى تجهيز أكثر من 30 عيادة أسنان بكافة المعدات والتجهيزات الحديثة، تمهيداً لاستقبال الحالات السريرية، وإيذاناً بتدشين برنامج الدراسات العليا في مجال طب الأسنان. كان المشهد أشبه برحلة عبر الزمن، تخللتها صور الكفاح والتحدي، لتنتهي بلوحة النجاح التي أرست دعماً حقيقياً للعملية التعليمية.
كلمة العمادة: رؤية مستقبلية
بعد ذلك، توّج الحضور بكلمة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الخولاني، عميد كلية طب الأسنان، الذي أشار مع نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية الدكتور مطيع أبو عريج إلى أن المؤتمر سيناقش أبحاثاً وأوراقاً علمية تتمحور حول طب الأسنان التجميلي والمواضيع الجراحية، وأحدث التقنيات، وإدارة الألم، وصولاً إلى تأثير صحة الفم والأسنان على الصحة النفسية، وعلاقة الذكاء الاصطناعي بطب الأسنان، والتغذية وصحة الفم. كانت كلمته بمثابة الإعلان الرسمي عن دخول الكلية مرحلة النضج الأكاديمي والبحثي، وانتقالها من الطموح إلى واقع ملموس.
إشعار أكاديمي نوعي
وفي لحظة تاريخية، أعلن الأستاذ الدكتور عمر الدوسري، نائب عميد الكلية، عن إطلاق برنامج الماجستير لكلية طب الأسنان بالجامعة في خمسة تخصصات نوعية هي: تقويم الأسنان، جراحة الفم، طب الأسنان الترميمي والتجميلي، والتعويضات السنية الثابتة، والمداواة اللبية "علاج الجذور". كان هذا الإعلان هو الضربة الأولى في جرس الانطلاق نحو آفاق أرحب للدراسات العليا، حيث سيتم إعداد وتأهيل كوادر متخصصة في التشخيص والمعالجات من خلال برامج متطورة تجمع بين المعرفة النظرية والمهارات السريرية.
رؤية القيادة الأكاديمية
من جهته، أكد الأستاذ الدكتور مجاهد معصار، رئيس جامعة 21 سبتمبر - رئيس المؤتمر، أن هذا المؤتمر يمثل خطوة متقدمة ضمن مساعي الجامعة لتطوير التعليم الطبي والبحث العلمي في اليمن، موضحاً أن المؤتمر يهدف إلى تبادل الخبرات والمعارف، واستعراض أحدث المستجدات العالمية في مجال طب الأسنان، بما يسهم في رفع كفاءة الممارسين والأكاديميين، وتعزيز مخرجات الكلية بما يتواكب مع التطورات العلمية الحديثة. وأضاف أن الجامعة تولي البحث العلمي أهمية قصوى، وتعمل على إقامة المؤتمرات والندوات العلمية الدورية لتشجيع الإبداع والابتكار، مؤكداً أن مثل هذه الفعاليات تعكس التزام الجامعة برسالتها العلمية والإنسانية في خدمة المجتمع والقطاع الصحي.
كلمة السياسة تدعم العلم
وفي إشارة ذات دلالة عميقة، ألقى عضو المجلس السياسي الأعلى محمد صالح النعيمي كلمة أشاد فيها بالأنشطة والمبادرات والمؤتمرات العلمية التي تقيمها الجامعة بصورة مستمرة لمواكبة التطورات العالمية وتلبية متطلبات واحتياجات المجتمع. واعتبر جامعة 21 سبتمبر إحدى ثمار ثورة 21 سبتمبر التي خاضت مسار التحرر من التبعية والارتهان الخارجي، وشكلت منعطفاً تاريخياً مهماً في مواجهة قوى الطغيان والاستكبار العالمي، ووقفت مع المقاومة في غزة ضد العدو الصهيوني. وشدد على ضرورة مواكبة هذا التحرر بالنهوض بالجوانب العلمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز الوعي المجتمعي.
افتتاح المعرض: حيث يلتقي النظر بالتطبيق
توجت الفعالية بافتتاح المعرض المصاحب للمؤتمر، حيث اطلع النعيمي ورئيس الجامعة ونوابه على معرض المستلزمات الطبية الخاصة بطب وجراحة الفم والأسنان، والذي ضم أحدث المعدات والتقنيات في هذا المجال، مجسّداً بذلك الرابط الوثيق بين التنظير الأكاديمي والتطبيق العملي، وكأنه يقدم للزوار رسالة مفادها أن العلم الحقيقي هو ذلك الذي يتحول إلى منفعة عملية للمجتمع.
الخاتمة: منبر علمي يعلو فوق دوي المدافع
ليس هذا المؤتمر مجرد فعالية أكاديمية عابرة، بل هو إعلان صريح بأن إرادة الحياة أقوى من كل محاولات الإفقار والتجهيل. إنه الوجه المشرق لليمن الذي يقاوم بمنابر العلم، كما يقاوم بمواقعه المشرفة. إن كل محاضرة، وكل ورقة بحثية، وكل تقنية جديدة يتم عرضها هنا، هي بمثابة طلقة في معركة الوجود الحضاري. لقد نجح المؤتمر في تجسيد مقولة "الثورة والبناء"، فكما كانت الثورة لاستعادة الوعي والهوية، فإن هذه المؤتمرات هي لاستعادة دور اليمن الحضاري في صناعة العلم والمعرفة. وهكذا، يظل الأمل معقوداً على هذه المنابر أن تكون جسراً يعبر منه اليمن إلى آفاق جديدة من التقدم والازدهار.
ليست هناك تعليقات